إيران والخليج والنزاعات المستمرة "الحلقة الثالثة"

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إيران والخليج والنزاعات المستمرة "الحلقة الثالثة"

خاص- شبكة اخبار الشرق الاوسط الدولية:

تغير الوضع الإستراتيجي لصالح القوة الإيرانية المتنامية في المنطقة الممتدة من شواطئ لبنان على البحر الأبيض المتوسط وحتى شواطئ اليمن على بحر العرب والبحر الأحمر، ومن الجولان المحتل وحتى طول سواحل الخليج العربي ومنها بالطبع الحدود العراقية الإيرانية، سواء من الناحية الإيديولوجية أو من ناحية النفوذ الأمني والتعبوي لجميع الدول الموجودة ضمن هذا المجال الحيوي، بغض النظر عن حجم استقلالها وقوة حكوماتها.
الهلال الشيعي
كان العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، قد حذر في حديث لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في التاسع من ديسمبر عام 2004 من سعي إيران لتشكيل "هلال شيعي" يضم العراق وسوريا ولبنان، مضمنا بذلك التحذير مخاوف قد تطال استقرار دول الخليج التي تقطنها أقليات شيعية. وقال الملك عبد الله حينها "إن أكثر من مليون إيراني دخلوا العراق بتنسيق من حكومة طهران والأحزاب المتعاونة معها في النظام السياسي العراقي الجديد للمشاركة في الانتخابات، التي كانت حجر الأساس الأول لانسياح إيراني منظم داخل هذا البلد العربي الكبير، ومن ثم خلخلة التوازن القائم بين شيعته وسنته على أمل تقليص العامل العربي القومي لصالح الطائفي المذهبي".
النزاع الإيراني السعودي بعد الثورة الإسلامية
نقلت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 العلاقات "الإيرانية-السعودية" من نطاق التنسيق والتعاون بين نظامين ملكيين، شكّلا معًا منذ مطلع السبعينيات ركيزتي "مبدأ نيكسون" لملء الفراغ في الخليج، إلى نظامين متنافسين خصمين يتنازعان القيادة والنفوذ في المنطقة، فمثلت إيران القطب الشيعي وتزعمت الرياض القطب السني في المنطقة. ومع الوقت تحول الخلاف بينهما إلى معركة أيديولوجية وسياسية، فالنظام الجديد في طهران طرح نموذجًا مختلفًا للإسلام السياسي، ينافس السعودية على قيادة العالم الإسلامي. رسمت الحرب العراقية-الإيرانية أولى محطات الصراع العلنية بين البلدين، اللذين كانا إبان حكم الشاه في إيران حليفين ضد النظام العراقي القريب من الاتحاد السوفيتي، فتحالفت السعودية مع العراق ضد إيران، ووفرت لها دعمًا سياسيًا وماليًا دوليًا وعربيًا على مدى سنوات الحرب الثماني. *وبعد الحرب الطويلة التي أنهكت كلا البلدين، دخلت العلاقات الإيرانية-السعودية مرحلة جديدة بالكامل، فانتقلت من الصراع الثنائي إلى التنافس على النفوذ الإقليمي، لتصبح علاقات متداخلة ومتشابكة مع مجمل تفاعلات النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، إلا أنه ورغم الاختلافات السياسية والأيديولوجية بين البلدين، تكثفت الجهود الإيرانية لمد جسر علاقات مع السعودية خلال رئاسة هاشمي رفسنجاني (1989-1997)، ومن بعده محمد خاتمي (1997-2005). وبعد الاطاحة بالأقلية السنية التي ينتمي إليها صدام حسين من الحكم بعد الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 وتولي حكومة شيعية الحكم، أطلقت الرياض اتهاماتها لواشنطن بتأجيج عاصفة طائفية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وتغيير موازين القوى لصالح الجانب الإيراني.
إيران والعراق والحرب الحدودية
تشكل الحدود العراقية الإيرانية إحدى المسائل التي تسببت في إثارة الكثير من النزاعات في تاريخ العراق، لا سيما أن العلاقات بين البلدين اتسمت وعبر التاريخ بالشد والجذب، وغلب عليها التوتر والعداء في مراحل كثيرة، ابتداء من العهد العثماني حينما كان العراق تحت السيطرة العثمانية وحتى اليوم، وهذا على الرغم من أن الحكومة العراقية الحالية تعتبر (بحسب مراقبين) حليفة لإيران، لا سيما أن غالبية الأحزاب المشاركة في العملية السياسية كانت تعد إيران المأوى الآمن لها من النظام السابق. ترجع أصول الخلافات "العراقية- الإيرانية" إلى الخلافات الناشئة حول ترسيم الحدود بين البلدين، وقد بقيت هذه الخلافات مشكلة عالقة في العلاقات الإيرانية العراقية لا سيما حول السيادة الكاملة على شط العرب. ففي عام 1969 من القرن الماضي ألغى شاه إيران محمد رضا بهلوي من جانب واحد اتفاقية الحدود المبرمة بين إيران والعراق عام 1937، وطالب بأن يكون خط منتصف النهر هو الحد ما بين البلدين، لتحتل عام 1971 البحرية الإيرانية الجزر الإماراتية طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وقطعت العراق علاقاتها بإيران في ديسمبر 1971، لتشمل الخلافات أيضا احتلال إيران المناطق الحدودية وهي قوس الزين وبير علي والشكرة. وبدأ الصدام العسكري بين البلدين في عام 1972، وازدادت الاشتباكات على الحدود، وزاد نشاط الحركات الكردية المسلحة في الشمال، وبعد وساطات عربية وقعت العراق وإيران اتفاق الجزائر سنة 1975، واعتبر على أساسه منتصف النهر في شط العرب هو خط الحدود بين إيران والعراق، وتضمن الاتفاق كذلك وقف دعم الشاه للحركات الكردية المسلحة في شمال العراق. إلا أن عام 1979 شهد تغيراً جذرياً في البلدين فقامت الثورة الإيرانية التي أطاحت بحكم الشاه، وتقلد الخميني زمام الأمور في إيران، فيما أصبح الرئيس الراحل صدام حسين رئيساً للجمهورية العراقية، وشهدت العلاقات بين البلدين تدهوراً كبيراً أدى لقيام حرب الثمان سنوات الشهيرة بينهم. وترجع المصادر بدايات الحرب إلى الاعتداء الإيراني بقصف بلدات على الحدود العراقية في 4 سبتمبر 1980، فاعتبر العراق ذلك بداية للحرب فقام الرئيس الأسبق صدام حسين بإلغاء اتفاقية (الجزائر لعام 1975) مع إيران في 17 سبتمبر 1980، واعتبار مياه شط العرب كاملة جزءا من المياه الإقليمية العراقية، وفي 22 سبتمبر 1980 هاجم العراق أهدافا في العمق الإيراني، وبدأت إيران بقصف أهداف عسكرية واقتصادية عراقية. كما أعلن صدام أن مطالب العراق من حربه مع إيران هي: الاعتراف بالسيادة العراقية على التراب الوطني العراقي ومياهه النهرية والبحرية، وإنهاء الاحتلال الإيراني لجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى في الخليج العربي عند مدخل مضيق هرمز، وكف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق.
إيران والإمارات وخلاف الجزر الثلاث
الجزر الثلاث المختلف عليها بين ايران والامارات العربية المتحدة هي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وابو موسى، وتقع بالقرب من مضيق (هرمز) في مدخل الخليج، في منتصف المسافة الفاصلة بين الساحل الايراني ودولة الامارات، وتكمن الاهمية الاستراتيجية لهذه الجزر في موقعها الجغرافي هذا، وكذلك في وجود حقول نفط غنية في قاع البحر بالقرب منها. ويعود الخلاف حول الجزر الثلاث الى حوالي مائة عام، حيث طالبت ايران بالملكية عليها، بداعي انها كانت جزءا من اراضيها منذ القدم. الا ان بريطانيا التي فرضت حمايتها على منطقة الخليج منذ بداية القرن التاسع عشر، رفضت المطالبة الايرانية، ومع ذلك لم تتخل ايران عن مطالبها الاقليمية في الجزر الثلاث، ولكنها لم تثر هذه المطالبة طوال فترة السيطرة البريطانية على المنطقة. وبعد إعلان بريطانيا عن رفع حمايتها عن منطقة الخليج عام 1971، جددت ايران مطالبتها بالسيادة على الجزر الثلاث، وهددت باستخدام القوة، اذا لم تلب هذه المطالبة. وازاء هذا التهديد، بادرت بريطانيا الى عقد مفاوضات بين امارة الشارقة وايران، اسفرت عن اتفاق نص على تقسيم جزيرة ابو موسى، وهي اكبر الجزر الثلاث، بين الدولتين، مع اقتسام عائدات النفط المستخرج من حقول الجزيرة مناصفة بينهما، إلا أن هذا الاتفاق لم يحسم مسألة السيادة على الجزيرة، اذ نص على ان ايران وامارة الشارقة لا تتخليان عن مطالبهما في جزيرة ابو موسى، ولا تعترف احداهما بمطالب الاخرى. وبالفعل استولت ايران على مناطق من جزيرة ابو موسى غداة مغادرة القوات البريطانية منطقة الخليج في اواخر عام 1971، ثم فرضت دولة الامارات العربية المتحدة، التي اقيمت في بداية العام التالي، سيطرتها على بقية اجزاء جزيرة ابو موسى، عقب انضمام امارة الشارقة اليها، وتم تقسيم العائدات النفطية بين ايران ودولة الامارات من حقول جزيرة ابو موسى، حسب الاتفاق المذكور. وفي عام 1980 عقب ثورة اية الله خميني والاطاحة بحكم الشاه، طرحت دولة الامارات مطالبها بالسيادة على الجزر الثلاث امام منظمة الامم المتحدة، الا ان حرب الخليج التي اندلعت بين العراق وايران في العام ذاته، ابقت الخلاف حول الجزر في سباته. وتجدد الخلاف عام 1992، حين استولت ايران على جزيرة ابو موسى كلها، ثم على جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، الامر الذي اثار معارضة عارمة من جانب دولة الامارات العربية المتحدة، التي اعتبرته انتهاكا لحقوقها في هذه الجزر، ومنذ منتصف التسعينات ازدادت حدة الخلاف بين الدولتين، بعد ان عمدت ايران الى اتخاذ اجراءات لاحكام سيطرتها على جزيرة ابو موسى، منها بناء مهبط للطائرات في الجزيرة، واقامة مشاريع مدنية اخرى. كما عمدت ايران الى زيادة حجم قواتها المرابطة في جزيرة ابو موسى، وتعزيزها بدبابات ومدافع وصواريخ. وازاء الاجراءات الايرانية التي شكلت خرقا واضحا لاتفاقية عام 1971 ، طرحت دولة الامارات الموضوع في اطار مجلس التعاون الخليجي، الذي بادر عام 1999 الى انشاء لجنة ثلاثية لبحث الموضوع مع ايران، ثم اقترح رفع الخلاف بشان الجزر الى محكمة العدل الدولية في لاهاي، الا ان ايران رفضت التعاون مع اللجنة الثلاثية، بل واصلت خلال السنوات في مساعيها لترسيخ سيطرتها على الجزر الثلاث، الامر الذي حدا قبل عدة اعوام بدولة الامارات الى تقديم شكوى الى مجلس الامن الدولي.
خليج عربي أم فارسي!!
الخليج العربي هو ذراع مائية لبحر العرب يمتد من خليج عمان جنوبا حتى شط العرب شمالا بطول 965 كيلومترا، وتبلغ مساحته نحو 233،100 كيلومتر، ويفصل بين شبه الجزيرة العربية وجنوب غرب إيران، وتطل عليه ثماني دول هي العراق والكويت والسعودية وقطر والإمارات وعُمان وإيران كما تحيط مياهه بدولة البحرين. ترى إيران أن لها الحق في السيطرة على سائر الخليج العربي، وتعتبر سواحله الغربية أنها كانت مستعمرات تابعة لمملكة الفرس قبل الإسلام، كما أنها تعتبر "الخليج الفارسي" هي التسمية الوحيدة التي أطلقت على الخليج، وتنكر وجود أي اسم آخر. في حين يرى أغلب العرب أن اسم "الخليج العربي" تاريخي وقديم، وأنه مبرر لأن ثلثي سواحل الخليج تقع في بلدان عربية، بينما تطل إيران على حوالي الثلث، وأنه حتى السواحل الإيرانية تقطنها قبائل عربية سواء في الشمال (إقليم الأحواز) أو في الشمال الشرقي في العديد من مدن إقليم بوشهر مثل بوشهر وعسلوية وبندر كنغان أو في الشرق في بندر لنجة وبندر عباس،(حيث كانت دولة القواسم مسيطرة على تلك البلاد حتى ضمتها إيران)، كما أن العرب يشكلون سكان أهم جزيرتين مسكونتين في الخليج العربي وهما جزيرة البحرين وجزيرة قشم بالإضافة إلى أن العرب يشكلون السكان الأصليين لجميع الجزر المأهولة في الخليج العربي قبل ظهور النفط، وبالتالي فمن الأولى تسمية الخليج وفق الشعب الذي يسكن جزره وسواحله، هذا بالإضافة إلى أنه منذ عام 1935، لم تعد تسمية "بلاد فارس" موجودة سوى في السجلات التاريخية بعدما أصدر الشاه الإيراني رضا شاه بهلوي مرسوماً قضى بتغيير اسم بلاده إلى "إيران"، فكيف من المنطقي أن يشار إلى الخليج بـ"الفارسي". لذلك بعد أن أعلنت مؤسسة ناشيونال جيوغرافيك عن كتابة اسم الخليج العربي إلى جانب الخليج الفارسي، في أطلسها الجديد، وأشارت إلى الخلاف على الجزر الثلاث بين إيران ودولة الإمارات العربية واعتبرت «ان طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى محتلة من إيران وتطالب الإمارات العربية بالسيادة عليها»، غضب القوميون الفرس، واتهموا المؤسسة بتلقي الرشاوي، واتهموها كذلك بأنها «بتأثير من اللوبي الصهيوني، وبدولارات النفط من بعض الحكومات العربية قررت تشويه واقع تاريخي لا يمكن نكرانه»، متناسية أن اسرائيل نفسها تستعمل مصطلح "الخليج الفارسي". وكان للخلاف على تسمية الخليج العربي بين العالم العربي وإيران عدد من الانعكاسات وردود فعل على مستوى الدول، من أبرزها: تصريح لسفير الكويت في إيران في فبراير 2010 أن التسمية ليست موطن خلاف، وأن تسميته بالخليج العربي تمت تحت ظرف سياسي معين وأن اسمه سيظل الخليج الفارسي. ألغت إيران الدورة الثانية من ألعاب التضامن الإسلامي يناير 2010 بسبب اعتراض العرب على تدوين كلمة "الخليج الفارسي" على قلائد البطولة وجميع وثائقها، وكان العرب قبل ذلك اقترحوا كتابة لفظة الخليج فقط، لكن إيران واجهتهم بالرفض. وفي لقاء في طهران بين أحمدي نجاد وحمد بن خليفة آل ثاني مايو 2006، قال الأخير في معرض حديثه عن منتخب إيران لكرة القدم، أن نجاح المنتخب إيران في مونديال 2006 سيسعد سكان الخليج العربي الفارسي فرد عليه نجاد موبخا: أعتقد أنك كنت تقرأ اسمه الخليج الفارسي عندما كنت بالمدرسة! ......
دول الخليج العربي بحاجة فعلية إلى خطة عمل إستراتيجية واضحة للتعاطي مع التمدد الإيراني على أسس وطنية وقومية وإعلامية واثقة ومحددة، تواجه من خلالها المشروع الإيراني بكامله ومن ضمنه كل الأطراف المتحالفة مع طهران، خاصة مع اقتراب الإعلان عن دولة نووية إيرانية، بعد ظهور المؤشرات الكبيرة التي تدفع باتجاه التوصل لاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني بين طهران والقوى الكبرى وعلى راسها الولايات المتحدة الأمريكية.


التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات جريدة اخبار الشرق الاوسط الدولية اخبار الشرق الاوسط الدولية الدولية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من الجريدة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

مؤشر الزيارات

facebook

اخر التعليقات

شارك معنا

أرشيف الموقع

تغريدات تويتر

أحاديث الحبيب عليه الصلاة والسلام

Check Page Rank
تصميم و تطوير : midestnews
اخبار الشرق الاوسط الدولية © 2016