شبكة اخبار الشرق الاوسط الدولية
قررت أن ترتدي بدلة الجندية والكوفية الفلسطينية، بدلا من بدلة عرسها الذي كان متوقعًا أن يكون بعد نحو 4 أشهر، وذلك لتنفيذ عمل اعتقدت أنه سيشفي صدور أمهات الأطفال التي داستهم دبابات الاحتلال.
هي عروس فتح وفلسطين، الشهيدة آيات محمد لطفي الأخرس التي استشهدت في الـ29 من مارس عام 2002، بعد تنفيذها عملية فدائية بمتجر بالقدس الغربية، أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين وإصابة عدد آخر.
ولدت آيات الأخرس في الـ20 من فبراير عام 1985، ونشأت في مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين بالقرب من بيت لحم، وكانت الرابعة بين أخواتها السبع وإخوانها الثلاثة، واستشهدت في سن الـ17.
وقامت قوات الاحتلال بهدم منزل عائلتها واعتقال عدد من اشقائها هذا إلى جانب احتجاز جثمانها في مقبرة الأرقام، قبل ان تفرج عنه في فبراير عام 2014.
في الـ29 من مارس، ذهبت آيات مع زميلاتها إلى المدرسة، ضمن دروس تعويضية أقرتها مديرة المنطقة التعليمية نتيجة للتأخير الذي نتج عن الاجتياح الإسرائلي للمدينة قبيل أيام، وكانت ترتدي بدلة الجندية والكوفية الفلسطينية.
خرجت آيات مع زميلاتها بعد انتهاء الدرس لتعود للمنزل، إلا أنها قررت أن تسلك طريقا آخر، مكتفيةً بمعانقة صديقتها وكأنها تخبرها أنها لن تراها ثانيةً في هذه الحياة، وأعطتها ورقة بها وصيتها، وطلبت منها ألا تفتحها إلا بعد يوم، ثم حملت حقيبتها التي كانت قد ملأتها بالمتفجرات، وتوجهت إلى أحد شوارع القدس المحتلة وقامت بتفجير نفسها.
صديقة هيفاء تقول إن الشهيدة كانت تحتفظ بكافة صور الشهداء في مقعدها الدراسي الذي كتبت عليه العديد من الشعارات التي تبين فضل الشهادة والشهداء، وتضيف أنها أوصتها وزميلاتها بضرورة الاهتمام بالدراسة، والحرص على إكمال مشوارهن التعليمي مهما ألمَّ بهن من ظروف وأخطار.
بدورها، أكدت والدة الأخرس أنها كانت تجاهد نفسها لتغطي حقيقة رغبتها بالشهادة التي لا تكف الحديث عنها، وقولها: "ما فائدة الحياة إذا كان الموت يلاحقنا من كل جانب؟ سنذهب له قبل أن يأتينا، وننتقم لأنفسنا قبل أن نموت".
تقول أم آيات إنها شعرت بالقلق في اليوم الذي استشهت فيه آيات، وذلك بعد أن عادت أختها سماح من المدرسة بدونها، فالأوضاع الأمنية صعبة جدًا في المخيم، وهو معرض لاقتحام جنود الاحتلال في أي وقت.
وتضيف الأم: "بعدما نجحت الشهيدة وفاء إدريس بتنفيذ أول عملية استشهادية تنفذها فتاة فلسطينية، زادت رغبة آيات في تعقب خطاهم، وحطمت كافة القيود الأمنية، واستطاعت أن تصل إلى قادة العمل العسكري، ليتم تجنيدها في كتائب شهداء الأقصى رغم رفضها السابق اتباع أي تنظيم سياسي أو المشاركة في الأنشطة الطلابية.
وتستطرد أم آيات في حديثها أنها غرقت في هاجس الخوف ووابل الأسئلة التي لا تنتهي، أين ذهبت آيات؟، هل يعقل أن تكون قد نفذت ما تحلم به من الاستشهاد؟، لكن كيف؟، وماذا عن خطيبها وملابس الفرح التي أعدتها؟ وأحلامها؟، حتى سمعت وسائل الإعلام تعلن عن تنفيذ عملية استشهادية في نتانيا، وأن منفذها فتاة، فاختنقت عبراتها بدموعها، وأيقنت أن آيات ذهبت ولن تعود، وأصبحت عروس فلسطين.
وفي التاسع عشر من يناير عام 2014 سلمت قوات الاحتلال جثمان الشهيدة البطلة آيات الأخرس لتوارى في مسقط رأسها ضمن 36 جثمان شهيد كانت تحتجزهم في مقابر الأرقام، وتم دفنها في مثواها الأخير بمقبرة الشهداء في أرطاس في الثالث من فبراير عام 2014.
وجرى للشهيدة استقبال حافل وتم إقامة جنازة عسكرية لها ومهرجان جماهيري كبير في مخيم الدهيشة بمحافظة بيت لحم، وحُمل جثمانها الطاهر على الأكتاف وأطلقت 21 طلقة من قبل ثلة من حرس الشرف الفلسطيني تحية لروحها الطاهرة، لتبقى عروس فلسطين مثلًا وقدوةً لكل فتاة وشاب فلسطيني ينقب عن الأمن بين ركام مذابح الاحتلال ويدفع دمه ومستقبله ثمنا لهذا الأمن.
وأختم كلامي عن شهيدة فلسطين بأبيات للشاعر والأديب والدبلوماسي السعودي المرحوم غازي عبد الرحمن القصيبي، من القصيدة التي كتبها ليثني على الشهيدة آيات، بعد أن أفتى بعض العلماء المسلمين بحرمة العمليات الاستشهادية:
يشهدُ اللهُ أنكم شهداءُ يشهدُ الأنبياءُ والأولياءُ
أنكم متّمُ كي تعزّ كِلْمة ربّي في ربوع أعزها الإسراءُ
انتحرتم؟! نحن الذين انتحرنا بحياةٍ.. أمواتها الأحياءُ
أيها القومُ! نحنُ متنا.. فهيّا نستمعْ ما يقول فينا الرِثاءُ
أيّها القوم! نحن متنا.. ولكنْ أنِفت أن تَضمّنا الغَبْراءُ
قل “لآيات” يا عروس العوالي كل حسن لمقلتيك الفداء
حين يخصى الفحول.. صفوة قومي تتصدى للمجرم الحسناء
